أثار سحب واشنطن لنحو 45 عنصراً من مستشاريها العسكريين الذين كانوا يديرون غرف العمليات للحرب على اليمن من السعودية، ضجة إعلامية وسياسية واسعة، وكثرت التساؤلات عن نيّة الإدارة الأميركية التخلي عن حليفتها السعودية في الحرب على اليمن أو ممارسة الضغوط عليها لإجبارها على القبول بمعاودة المسار السياسي من خلال التفاوض والوصول إلى حلول وسطية متوازنة
لا جدال في أن الإدارة الأميركية صاحبة الكلمة الفصل والقرار الأول من ناحية البدء بالحرب السعودية على اليمن، وهي تشكل الجهة الرئيسية في استمرارها.
هذه الحقيقة هي منطق أي استنتاج وتحليل وتقويم للحرب على اليمن وإمكانية وقفها أو استمرارها. صحيح أن للسعودية وحلفائها مصالح أرادوا تحقيقها من خلال الحرب، ولكن الكلمة الأخيرة هي لواشنطن.
في الأسبوعين الأخيرين، وبعد الفشل المتكرر لمحاولات تحقيق الأهداف الموضوعة للحرب على اليمن من خلال المسار التفاوضي في الكويت، وقبلها في جنيف، جاء توجّه القوى الحليفة لواشنطن نحو إعادة تفعيل الخيار العسكري وتسعيره.
وقد بدا واضحاً في مرحلة التصعيد العسكري أنّ الجانب السعودي ذهب بعيداً في جرعات الضغط على الشعب اليمني، وأدّت رعونة الرياض في الأداء العسكري إلى إحداث مجازر متتالية بحق المدنيين في بيوتهم ومعاملهم ومستشفياتهم.
ولم يراعِ السعوديون احترام أبسط قواعد حقوق الإنسان أو التزام الحد الأدنى من قواعد الاشتباك وتحييد المدنيين، فقصفوا المستشفيات التي تخضع للجمعيات والمؤسسات العالمية كما حدث في مجزرة مستشفى حجة الذي تُديره منظمة «أطباء بلا حدود»، على الرغم من أن المنظمة سلمت في وقت سابق إحداثية المستشفى للسلطات السعودية.
ظهر الأداء السعودي العنيف وكأنه مسكون بداء الهزيمة، في محاولة مسعورة لتحقيق إنجازات سريعة من دون أن تأخذ في الحسبان قدرة المحافل الإنسانية على المحاسبة أو حتى المراقبة بعد إسكات منظمة الأمم المتحدة التي اضطر أمينها العام بان كي مون إلى سحب قرار وضع السعودية على اللائحة السوداء لقتل الأطفال.
إلا أن حجم المجازر بحق المدنيين كان بحجم تعذّر التستر عليه ــ كما تجري العادة ــ ما أدى إلى ردود فعل استنكارية كبيرة في العالم وجدت تعبيراتها حتى في الداخل الأميركي والأوروبي، وظهر أنّ تأثير انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن صار يسيطر على الإعلام والرأي العام الأميركيين، ويستغل في الحملات الانتخابية بين المرشحين (الجمهوري والديموقراطي) بل تعدى ذلك إلى طرح عدد من نواب الكونغرس الأميركي تساؤلات عن جدوى المشاركة الأميركية في الحرب على اليمن ورفع مشاريع قوانين تحظر بيع السعودية أسلحة تستخدم في هذه الحرب، الامر الذي أحرج الإدارة الأميركية، فعمدت سريعاً إلى القيام بعدد من الإجراءات في إطار السعي للتملص من المسؤولية عن هذه المجازر.
نعم، قد يرى البعض، تطرفاً، أن سحب المستشارين ذو أبعاد ودلالات ترتبط بالكشف عن خلافات أميركية ــ سعودية في ما يتعلق بالحرب نفسها أو استمرارها، لكن حقيقة التابع والمتبوع بين الولايات المتحدة والسعودية من شأنه أن يدحض هذا التحليل.
فالسعودية لم تكن ولن تكون في موقع القدرة على رفض طلبات الإرادة الأميركية إن وجدت، سواء ما يتعلق باستمرار الحرب أو وقفها، وبما أن واشنطن لم تحقق أهدافها فهي ستواصل الدفع باتجاه مواصلة الحرب لتحقيق القدر الممكن من هذه الأهداف.
ثم إن واشنطن خارج دائرة الإحراج الداخلي والخارجي، تطلق يد الرياض بما يمكن تحقيقه في كافة الميادين، إذ يكفي في هذا المجال في الوقت الحاضر استنزاف الجانب اليمني والضغط عليه بما يفسر توجه التحالف السعودي نحو تفعيل الضغوط في الجوانب غير الميدانية، ومن بينها تشديد الحصار ووقف الرحلات الجوية بين صنعاء والعالم والعمل على تأزيم الوضع الاقتصادي، وذلك لإدراكهم المسبق بتعذّر تحقيق نتائج ميدانية وعسكرية.
في مقابل ذلك، لم يكتفِ الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» بالصمود والاستيعاب، أو بلعب دور المتلقي، بل استمروا بالارتقاء الميداني الإيذائي والاستنزافي في المكان الذي يوجع السعودية، الوكيل الأول للحرب الأميركية على اليمن.
وبات واضحاً أن الجيش و«اللجان» يراكمان من الإنجازات العسكرية داخل الأراضي السعودية، كما بات جلياً أن تحقيق الإنجازات النوعيّة والمغيّرة لمجرى الحرب هو مسألة قرار تتخذه القيادة اليمنية في الزمان المناسب.